بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني أصحاب الجلالة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسرني في البداية أن أرحب بكم بين إخوانكم وأهلكم في بلدكم الثاني قطر. ويسعدني أن أتقدم ببالغ الشكر والتقدير لأخي صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح –أمير دولة الكويت الشقيقة– على جهوده المخلصة والمقدرة التي بذلتها دولة الكويت خلال ترأسها للدورة السابقة، والتي كان لها الأثر البالغ في تعزيز مسيرة العمل المشترك بين دولنا وتعزيز مكانة المجلس الدولية والإقليمية.
ويطيب لي أن أشكر معالي الأمين العام لمجلس التعاون والأمناء المساعدين وكافة موظفي الأمانة على جهودهم المخلصة في تعزيز دور مجلس التعاون الخليج.
أصحاب الجلالة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
نجتمع في ظل ظروف دولية وإقليمية بالغة التعقيد والدقة تفرض علينا مسؤوليات جساما، وتضعنا أمام تحدي العمل على قدر هذه المسؤوليات. وسبيلنا في ذلك وحدة الصف والهدف، وبذل مزيد من الجهود للنهوض بعملنا المشترك والارتقاء به إلى مستوى الطموح، وبما يحقق آمال وتطلعات شعوبنا في الأمن والازدهار. وإذ نأمل أن تؤسس هذه القمة لانطلاقة جديدة في العلاقات الخليجية عبر تعزيز روح التآخي والتضامن، فإن دولة قطر سوف تكون كعهدها مساهما فعالا في تعميق هذه العلاقات وتعزيز التعاون والتكامل في جميع المجالات التي تعود بالخير على دولنا وشعوبنا.
ويدفعنا السياق السياسي والاقتصادي العالمي بتحولاته السياسية والاقتصادية العميقة التي تتسم بانعدام اليقين، وما يحمله من مخاطر إلى تعزيز آليات تكاملنا الاقتصادي والتنموي وغيرها من المجالات. ولا شك أن الاتحاد الخليجي الذي تضمنته مبادرة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز سيظل هدفا ساميا، ومنه إلى الاتحاد العربي بإذن الله، غير أن الإيمان بهذا الهدف والإصرار على تحقيقه يتطلبان منا أن ندرك أن خير سبيل لتحويله إلى واقع هو التحرك بخطوات تدريجية قائمة على تكامل المصالح الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية والثقافية بين شعوبنا، ولكنها واثقة وتؤدي في النهاية إلى تحقيق أهدافنا ومصالحنا المشتركة. رصيدنا في هذا إنجازات مسجلة في صفحات التاريخ في ظل ظروف لم تكن سهلة ميسورة.
ومن ناحية أخرى، تعلّمُنا التجاربُ الأخيرة ألا نسرع في تحويل الخلاف في الاجتهادات السياسية وفي تقدير الموقف السياسي، والتي قد تنشأ حتى بين القادة، إلى خلافات تمس قطاعات اجتماعية واقتصادية وإعلامية وغيرها. فإذا لم تستمر آليات التعاون والتعاضد ومؤسساتهما بالعمل في مراحل الاختلاف بالرأي فهذا يعني أننا لم ننجح في إرساء أسس متينة لهذه المنظمة بعد. وإذا لم تكن علاقات شعوبنا الأخوية مفروغا منها حتى في مراحل الأزمات، فهذا يعني أن يبقى مجلس التعاون جسما فوقيا. ثمة بديهيات في علاقات دول مجلس التعاون وشعوبه يجب ألا تكون موضع تساؤل في أي وقت. وحدها الممارسة التي تضع المشترك فوق المختلف عليه، وترفع التعاون فوق الخلاف، هي التي تحوّل مجلس التعاون الخليجي إلى كيان حقيقي، وتبني مضمونا لمقولة إن المجلس هو المنظمة العربية الفاعلة على الساحة الإقليمية والدولية. ويحق لنا عندئذ أن نأمل أن تشكّل نموذجًا للأطر العربية الأخرى.
وإزاء التحديات والمخاطر التي تحيط بنا من كل جانب لا يجوز لنا أن ننشغل بخلافات جانبية حول التفاصيل. لقد آن الأوان أن يحدّد مجلس التعاون دوره وموقعه في الخارطة السياسية للإقليم بناء على مكانة دولِه الاستراتيجية ومقدراتها ومصالحها المشتركة. فالدول الكبرى لا تنتظر، ولا تصغي للمناشدات الأخلاقية. وهي كما يبدو تتعامل بلغة المصالح فقط، ومع من يثبت قوته على الأرض في الإقليم.
أصحاب الجلالة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
تتكثّف مظاهر العدوان وإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية عبر النشاطات الاستيطانية والاعتداء على حرمة المسجد الأقصى المبارك وإجراءات تغيير هوية القدس الشريف وتدنيس مقدساته، وممارساتها العدائية المنافية لأبسط الأعراف الدولية. وهي تضع المجتمع الدولي والعربي أمام مسؤولية كبرى.
ففيما عدا خرقها المتواصل لحقوق الإنسان واضطهادها لسكان البلاد الأصليين، وممارستها سياسة الفصل العنصري تنذر الممارسات والسياسات الإسرائيلية بعواقب وخيمة على المنطقة، وتدمّر فرص تحقيق عملية السلام، وتحول حل الدولتين الذي توافق عليه المجتمع الدولي إلى شعار بلا مضمون وغير قابل للتحقّق. وفي هذا الصدد يتعيّن على العالمين العربي والإسلامي اتخاذ وقفة جادة وقوية للدفاع عن مقدسات الأمة، ولا سيما في القدس، والذود عنها وتقديم العون اللازم لدعم جهود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
إن استمرار المجتمع الدولي في الوقوف متفرّجاً وصامتاً إزاء الممارسات الإسرائيلية غير المشروعة يعد جريمة كبرى بحق الإنسانية. ونحن ندعو المجتمع الدولي وبخاصة الأطراف الفاعلة في عملية السلام أن تفرض على إسرائيل الإذعان لجهود السلام والتوصل إلى تسوية عادلة وشاملة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وتفضي إلى إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، وعدم السماح لإسرائيل بالمساس بوضع القدس الشرقية والمحافظة على المقدسات.
أصحاب الجلالة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
تزداد الحالة في سورية مأساوية بالنسبة لهذا الشعب المنكوب. ومن أهم أسباب تفاقمها غياب رؤية واضحة لدى القوى المؤثرة في المجتمع الدولي لحل هذه الأزمة، وإصابة النظام الدولي بعُطْب حقيقي هو ازدواجية معايير الشرعية الدولية. وقد فشل مجلس الأمن فشلاً ذريعا في حماية المدنيين من جرائم الحرب والإبادة الجماعية، في مقابل إصرار النظام السوري على رفض الحل السياسي واعتماد الحل العسكري الشامل.
ونحن نؤكد هنا أننا كنا وما زلنا مع الحل السياسي الذي يحقن الدماء السورية، ويلبي مطالب الشعب السوري في التغيير والأمن والاستقرار عبر توفير الضمانات الكافية التي تكفل حقوق هذا الشعب وتحقيق مطالبه العادلة، والتمسّك بوحدة سورية أرضاً وشعباً. كما نؤكد أننا مع حق الشعب السوري في الدفاع عن نفسه ما دام الحل السياسي غير متوفر، وما دامت القوى العظمى تهمّش قضية هذا الشعب في مقابل مصالحها الأخرى. ومن هنا فإننا ندعو المجتمع الدولي مجدّداً إلى التوافق الدولي والإقليمي، ونلحّ على أن يتخذ مجلس الأمن القرار اللازم لوقف أعمال القتل والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها النظام، وتحقيق الحل السياسي الذي يلبي تطلعات الشعب السوري.
أصحاب الجلالة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
تفرض الأوضاع الراهنة في العديد من الدول العربية الشقيقة في ليبيا واليمن والعراق ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية من أجل مساعدة تلك الدول على تجاوز الظروف الراهنة. ونأمل أن تتوافق الحكومات والقوى السياسية في تلك الدول على مصالحات وطنية تضع حدا لأعمال العنف وتلبي تطلعات الشعوب في الأمن والاستقرار. وتتطلّب هذه المصالحة منهجا واقعيا وعقلانيا يقدم المصلحة الوطنية على المصالح الجزئية، ولا يقصي أيا من المكونات الاجتماعية أو السياسية، ويرفض العصبيات على أنواعها لأنها تفتت الكيانات السياسية.
أصحاب الجلالة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
إن ظاهرة الإرهاب التي يشهدها عالمنا المعاصر، ومنطقتنا العربية على نحو خاص، وما تشكّله من تحدٍ خطير للأمن والاستقرار والتنمية تستدعي منا، ومن المجتمع الدولي بشكل عام، تكثيف الجهد الجماعي واتخاذ كافة التدابير اللازمة لمواجهتها واستئصال جذورها وعلاج أسبابها الحقيقية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وعلينا أن ننتبه إلى معادلة بسيطة تحولت إلى شبه بديهية تاريخية، وهي أن العنف والاضطهاد والقمع وسد آفاق الأمل يقود إلى العنف. لا مجال أمامنا إلا مواجهة الإرهاب، ولكن لا بد أن تبذل جهود لتجنيب المجتمعات العربية آفة التطرف والإرهاب بالوقاية قبل العلاج. فالشباب الذين ينجذبون إليه لا يولدون متطرفين، ولا الإرهاب صفة تميز دينا بعينه أو حضارة بعينها. والوقاية تكون بمعالجة الأسباب المتمثلة بنقص المناعة، وبتقليل احتمالات انتشار العدوى، قبل استفحال المرض.
وبالنسبة للأمن في منطقة الخليج نشير هنا إلى أننا رحبنا بالاتفاق (5+1) بشأن الملف النووي الإيراني، ونؤكد على موقفنا الثابت بضرورة التوصل إلى حل الخلافات بالطرق السلمية وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. كما نؤكد على ضرورة الحفاظ على علاقات التعاون وحسن الجوار مع الدول الشقيقة والصديقة التي تقع خارج منظومتنا.
إخواني الأعزاء،
عهدنا أن نتحرك كرجل واحد إعمالاً لقول الله عز وجل (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وأن نكون جميعاً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً إعمالاً لقول نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ”المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهُ بعضاً“.
وختاماً أكرر الترحيب بكم في الدوحة متمنياً أن تُكلَّل جهودُنا في هذه القمة بالسداد والتوفيق سائلاً المولى عز وجل أن نحقق ما نطمح إليه من تماسك وقدرة على تحقيق الآمال والطموحات المشروعة لشعوبنا في الاستقرار والتقدم والازدهار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.