بسم الله الرحمن الرحيم
جلالة الأخ الملك عبدالله الثاني ابن الحسين،
الأخوة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية،
السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أود في البداية أن أعرب عن خالص الشكر والتقدير لجلالة الأخ الملك عبدالله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية، ولشعب وحكومة المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة على الحفاوة وحسن الاستقبال وكرم الضيافة، وعلى الجهود المبذولة لإنجاح هذه القمة.
كما أود أن أتوجه بفائق الشكر والتقدير لفخامة الأخ الرئيس محمد ولد عبدالعزيز رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية الشقيقة على جهوده المخلصة والمقدرة التي بذلها أثناء رئاسته لأعمال القمة السابقة.
إن خطورة المرحلة التي يمر بها وطننا العربي والمنطقة ككل، والعوائق أمام تحقيق تطلعات شعوبنا في التنمية والأمن والاستقرار تتطلب منا الكثير من الواقعية والصراحة والوعي وتطابق الأقوال والأفعال لتجنيب أمتنا العربية المخاطر. والتضامن العربي الحقيقي عامل مساعد في تحقيق هذه التطلعات، فيما يؤثر غيابه سلبا عليها.
لقد أدت الاختلافات في رؤانا ومواقفنا تجاه بعض القضايا السياسية التي تواجه أمتنا إلى آثار سلبية على مجالات التعاون الأخرى، غير السياسية، ما يبيِّن أن المشكلة لا تكمن دائما في الاختلاف نفسه، بل في كيفية إدارته، وفي إسقاط الخلاف السياسي على كل ما عداه.
والحقيقة أننا قادرون على توحيد الرؤى ومواجهة مختلف التحديات وتجاوز الأوضاع الراهنة فلا توجد اختلافات أو خلافات تستعصي على الحل بين الأشقاء. وحتى إن وُجِدَت، على الرغم من كل الجهود، فلا يجوز أن تؤثّر على مجالات التعاون التي تهم مواطنينا ومجتمعاتنا.
الحضور الكرام،
تظل القضية الفلسطينية في مقدمة أولوياتنا، وذلك على الرغم من جمود عملية السلام بسبب المواقف المتعنتة للحكومة الإسرائيلية وخرقها لالتزاماتها وتعهداتها ومحاولاتها فرض سياسة الأمر الواقع مع تكثيف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتهويد القدس، ما يشكل تهديدًا لاستقرار وأمن المنطقة، وللأمن والاستقرار الدوليين.
إننا مطالبون بالعمل الجاد المشترك للضغط على المجتمع الدولي، وفي مجلس الأمن لرفض إقامة نظام فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين، والتعامل بحزم مع إسرائيل وإجبارها على التوقف عن بناء المستوطنات، وإنفاذ قرارات الشرعية الدولية، ووقف الانتهاكات المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، ورفع الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة الذي يمنع سكانه من ممارسة حياتهم الطبيعية، وحملها على الدخول في مفاوضات جادة ترتكز على أسس واضحة وجدول زمني محدد، وليس مفاوضات من أجل المفاوضات، بهدف الإرباك وإضاعة الوقت أو استغلاله في الاستيطان.
إن موقف دولة قطر الثابت من القضية الفلسطينية هو الموقف العربي المُلتزم بأن تؤسَّس عملية السلام على تسوية شاملة وعادلة ودائمة تستند إلى الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية التي تقوم على مبدأ حل الدولتين بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية بما فيها الجولان السوري.
ويشكل توحيد الصف الفلسطيني ركيزةً أساسية في إنهاء الاحتلال. ولا معنى ولا جدوى للخلاف على سلطة بلا سيادة في ظل بقاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، فلن تقوم دولة فلسطينية بدون غزة ولن تقوم دولة في غزة.
ولذلك، لا تزال دولة قطر تواصل جهودها المبذولة لإنهاء حالة الانقسام لإعادة الوحدة للعمل الوطني الفلسطيني، وفقاً لاتفاقيات الدوحة والقاهرة. وأننا ندعو جميع القيادات الفلسطينية إلى التحلي بالحكمة وتغليب المصلحة الوطنية العليا لإنهاء حالة الانقسام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم بإنجاز المهام الدستورية والتنفيذية، لاستعادة الوحدة الوطنية بما يمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق تطلعاته المشروعة في الحرية والاستقلال وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
الإخوة الكرام،
مع ترحيبنا باتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، نؤكد على أهمية العمل على جعله حقيقيا، لا انتقائيا يسمح بحصول عمليات تهجير، بما من شأنه التخفيف من معاناة الشعب السوري الشقيق وضمان سلامة المدنيين وتسريع وصول المساعدات الإنسانية، وباعتبار الوقف الدائم والشامل لإطلاق النار يمثل خطوة نحو الحل السياسي المنشود، كما نعيد التأكيد بشكل جازم أن إنهاء كارثة الشعب السوري الشقيق تتوقف على اتخاذ الإجراءات والقرارات الملزمة للنظام السوري بتنفيذ مقررات مؤتمر جنيف (1) التي تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، فضلاً عن قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والتي تلبي تطلّعات الشعب السوري وتفسح له المجال لتحديد مستقبله وفق خياراته.
ولا بد من إجبار النظام السوري على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2336 الذي جدد الدعوة للسماح بالوصول السريع والآمن للوكالات الإنسانية إلى جميع أنحاء سوريا.
وفي هذا السياق علينا نحن العرب الاستمرار في القيام بواجباتنا الإنسانية تجاه الشعب السوري الشقيق في مناطق النزوح في سوريا وفي مناطق اللجوء خارجها، وأن نتعامل بما يوجبه تعامل الأشقاء مع شعب عظيم تعرض لما لم يتعرض له شعب في العصر الحديث، وصمد وحافظ على كرامتِه. ولا يفوتني أن أعرب عن التقدير للأردن ولبنان على الجهود الكبيرة المبذولة في استقبال أشقائهم السوريين.
ولا يجوز أن يغيب عن بالنا أن الشعب السوري لم يتشّرد بسبب كارثة طبيعية، بل لأن نظام الحكم شن عليه حربا شعواء شاملة في سابقة تاريخية، لمجرد أنه عبر عن تطلعه إلى الحرية والكرامة، محولاً ثورته السلمية إلى حرب أهلية. ولذلك لا يمكن الفصل بين واجبنا الإنساني والسياسي تجاه هذا الشعب.
الإخوة الأعزاء،
تحتم الأوضاع في ليبيا الشقيقة علينا تكثيف الجهود والعمل معاً وفق رؤية موحدة لحثّ الأشقاء الليبيين ودفعهم لتجاوز خلافاتهم، وتغليب المصلحة الوطنية العليا لاستكمال خطوات الاتفاق السياسي الليبي المتوافَق عليه والذي حظي بالإجماع الدولي والإقليمي، ومواصلة دعم حكومة الوفاق الوطني الشرعية لكي تقوم بكامل مهامها في وضع حد لمعاناة الشعب الليبي الشقيق ومجابهة خطر التنظيمات الإرهابية وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع ليبيا.
لا خيار أمام الأشقاء الليبيين سوى الحوار والتوافق والتمسك بمخرجات الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات، والمضي قدما في طريق التسوية السياسية لتشمل جميع القوى السياسية في ليبيا دون إقصاء؛ ولكن مع رفض الفوضى وعودة الديكتاتورية. وهما أصلا وجهان لعملة واحدة.
وفي هذا السياق يتعيَّن على بعض الأشقاء في ليبيا التخلي عن تقديم الذرائع لامتناعهم عن المشاركة في الحل السياسي النهائي بسبب الاختلاف في الرأي والمصالح الشخصية والخلافات على الزعامة والنرجسيات على أنواعها. فلا يجوز أن تقف هذه الأمور عائقا عندما يكون الحديث عن مصير بلدهم.
التحدي الكبير الذي يواجه ليبيا هو بناء الدولة ومؤسساتها. هذه هي المهمة ! وبالإسهام في هذا الجهد تقاس المسؤولية الوطنية حاليا. وبموجب هذا المعيار يتحدد الموقف من القوى الفاعلة في ليبيا.
ومن منطلق الروابط الأخوية الوثيقة بين دولة قطر ودولة ليبيا الشقيقة وشعبها أؤكد على التزام دولة قطر بمواصلة دعم الأشقاء الليبيين ومساعدتهم على تجاوز خلافاتهم وإنجاح مسار التسوية السياسية واستكماله.
وفي الشأن اليمني، وكجزء من التحالف العربي، نجدّدُ حرصنا على وحدة واستقلال اليمن وسلامة أراضيه، وعلى دعم الشرعية الدستورية ممثلة في فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، كما نؤكد دعمنا لمهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن وجهود استئناف المشاورات السياسية للوصول إلى الحل السياسي وفقا لمرجعية المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرارات الشرعية الدولية.
الإخوة الأعزاء،
يظل الإرهاب من أخطر التهديدات التي تحدق بمنطقتنا العربية وتستهدف الأمن والاستقرار فيها، ولا شك أن مواجهة خطر الجماعات الإرهابية والتمسك بشرائعنا وقيمنا دون تطرفٍ أو غلو ٍ، ودون تفريط أو تهاون، تتطلّب منَا التوافق على رؤية مشتركة تقود جهودنا لتعزيز التعاون، والعمل على إيجاد مقاربة مشتركة وشاملة بالتعاون مع المجتمع الدولي تتضمن كل الأبعاد السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية لاجتثاث هذا الوباء.
وأرى من الضروري في هذا المقام تقديم ملاحظتين: أولا، إذا كنا جادين في تركيز الجهود على المنظمات الإرهابية المسلحة، هل من الانصاف أن نبذل جهدا لاعتبار تيارات سياسية نختلف معها إرهابية، على الرغم من أنها ليست كذلك. وهل هدفنا أن نزيد عدد الإرهابيين في هذا العالم؟
إن مكافحة الإرهاب هي قضية استراتيجية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، وبالطبع أمنية أيضا، وهي أخطر من أن نخضعها للخلافات والمصالح السياسية والشد والجذب بين الأنظمة.
وثانيا، لا يقتصر الإرهاب على دين أو مذهب بعينه، فثمة ميليشيات إرهابية من مذاهب مختلفة ترتكب جرائم ضد المدنيين والمرافق المدنية لأهداف سياسية بعلم وأحياناً برضى حكوماتهم. وهذا هو الإرهاب بعينه.
الإرهاب يتقلص وينكمش مع التنمية الإنسانية، بما فيها التعليم، والمشاركة في ثمار التنمية والمساواة أمام القانون، وفي ظروف الحرية وتحمل مسؤولية الحرية. وينمو الإرهاب والتطرف في ظروف الاغتراب عن المجتمع وقيمه، والحرمان واليأس وانعدام الأفق، وإذلال الناس في المعتقلات والسجون، سواء أكان بسبب الاحتلال أم الطغيان، وغياب حكم القانون وتفشي سياسات الإقصاء والتهميش.
ولا يجوز تبرئة الدعاية المتطرفة المتلبسة بلباس الدين والتي تستهدف الشباب في هذه الظروف.
وفي هذا السياق أضيف أنه لا يجوز السكوت على أن يصبح التحريض على حضارتنا العربية والإسلامية وبث سموم الكراهية ضد المسلمين، مسألة تنافس بين الأحزاب والقوى الشعبوية في الغرب. قد يطلب منا بعض الساسة أن نتفهم ظروف الحملات الانتخابية، وأنهم لا يقصدون ما يقولون. ولكن هذا عذر أقبح من ذنب، لأنه يجعل من كراهية المسلمين موضوعا شعبيا.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
سوف تظل دولة قطر على عهدها لا تألو جهداً في المساهمة الفاعلة في العمل العربي المشترك من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة لشعوبنا.
وختامًا، أتمنى لهذه القمة كل التوفيق والنجاح وتحقيق أهدافها المنشودة التي تُلبي طُموحات أمتنا العربية، وتدفع العمل العربي المشترك قدما إلى الأمام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.