بسم الله وعلى بركته تعالى نفتتح دور الانعقاد الثالث والأربعين لمجلس الشورى.
حضرات الإخوة الكرام أعضاء مجلس الشورى،
أرحب بكم في لقائنا السنوي الذي نعتز به جميعا باعتباره تقليدا راسخا من تقاليدنا الدستورية، نستعرض فيه شؤون وطننا العزيز، ومسيرة العمل الحكومي نحو تحقيق أهدافنا الوطنية والتنموية، وأداء الاقتصاد الوطني وقطاع الخدمات والمرافق العامة، وسبل تطويرها إلى الأفضل، وذلك في إطار الأسس والاستراتيجيات التي اعتمدناها لتحقيق التنمية الشاملة وإدراك غاياتها.
إن الحرص على المراجعة على ضوء تقييم النتائج على أرض الواقع، هو جزء من عملية تنفيذ الاستراتيجيات، لكي نبني على إيجابياتها ونتلافى ما وقع من أخطاء.
وتقود الحكومة حالياً جهود تنفيذ استراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016، ولقد أخضعت هذه لتقييم موضوعي بعد مرور ثلاث سنوات على تدشينها لرصد التقدم المحرز في تنفيذها والتعديلات على أهدافها في ضوء التغيير في مختلف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية.
وقد أظهر هذا التقرير أن عددا من الجهات التي تشارك في مسيرة التنمية قامت بوضع خططها التنفيذية، كما أظهر أن التعاون والتنسيق المؤسسي بين هذه الجهات قد حقق بدايات إيجابية، ولكن ثمة جهات لم تستوف ذلك بعد.
وقد أصدرت توجيهاتي لرئيس مجلس الوزراء لوضع خطط تتضمن جدولاً زمنياً واقعياً لحل قضايا المخازن والمناطق اللوجستية، والمناطق الاقتصادية، وخطة التصنيع وترخيص المصانع اللازمة للدولة مع قائمة بالصناعات غير المرغوب فيها إلا باستثناء، وحل قضايا سكن العمال، ووضع خطة لسد احتياجات الأرض في الدولة، وخطة لترويج القطاعات الاقتصادية والتجارية، وتنشيط سوق المال والبورصة، والبدء في مشروع التجمع الزراعي الغذائي الأول، ووضع استراتيجية للسياحة مع بيان بالمشروعات السياحية التي سوف تنجز خلال العامين القادمين.
وأود هنا التأكيد أن الخطط لا توضع فقط لغرض إتمام الإجراء شكلياً، فالخطط توضع لتُطبّق، ومن هنا يجب أن تُصمَّم بحرص وعناية، وأن تكون قابلةً للتنفيذ في إطار المعطيات، بما فيها الميزانيات المتاحة، ويجب أن تعتاد مؤسساتُنا بدورها على احترام الخطة الموضوعة والمحاسبة بناء عليها وعلى أهدافها.
الإخوة أعضاء مجلس الشورى،
يظل اقتصادنا الوطني، كما كان دائما، شاغلنا الأساسي، كما أن تنويع مصادر الدخل أصبح ضرورة نعمل على تحقيقها بمختلف السبل، ومن أهمها إفساح المجال للقطاع الخاص للمشاركة بفاعلية في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي والتنمية الشاملة للدولة وتعزيز الاستثمارات للأجيال القادمة.
وقد حقق اقتصادُنا معدلات نمو جيدة حيث بلغ النمو في الناتج المحلي الإجمالي 6.3% هذا العام، ويُعتبر تحقيقُ هذا المعدل إنجازاً كبيراً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مساهمة القطاع الهيدروكربوني في الناتج المحلي الإجمالي لم تحقق أية زيادة تذكر في العام نفسه، وبالتالي فإن النمو كله جاء من التوسع في القطاع غير النفطي ولا سيما الخدمات خصوصا القطاع المالي وقطاع البناء المدفوعين بالاستثمارات الضخمة الخارجية والداخلية حيث وصل معدل النمو فيه إلى نحو 11%، يضاف إلى ذلك التطور في الميزان التجاري هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، ليبلغ الفائض في الميزان التجاري 52% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع أنه صاحب ذلك النمو ارتفاع نسبة التضخم إلى 3.1% سنة 2013 إلا أننا نواصل جهودنا للحد من التضخم عن طريق التنسيق بين السياسات المالية والنقدية، وتشجيع المنافسة، ووضع جدول زمني لتنفيذ المشاريع الكبرى للحد من الضغوط على القدرات الاستيعابية.
ولن يكفي تشجيع المنافسة لتنزيل الأسعار، بل لا بد من تخفيف التعقيدات البيروقراطية التي تزيد من مخاطر الاستثمار، وزيادة إمكانيات التخزين وتحسين شروطها، ومحاولة تخفيض أسعار العقارات، وكذلك التخطيط بشكل دقيق لإدارة المشاريع وتنفيذها بحيث لا يجري باستمرار تغيير المواصفات أثناء العمل مما يؤدي إلى رفع التكلفة، كما لا بد من مراقبة أسعار البضائع الاستهلاكية.
ومع تأكيدنا الدائم على أن القطاع الخاص هو الشريك الرئيسي في التنمية، فقد أقرت الحكومة برنامجاً طموحاً لتحفيز القطاع الخاص ودعم البنية التحتية للتجارة، ويفيد هذا البرنامج المكون من19 مشروعاً ومبادرة، على دعم تنافسية ممارسة الأعمال.
كما تعمل الحكومة على الانتهاء من إعداد تشريعات وإجراءات جديدة تساهم في تطوير بيئة الأعمال وترك أكبر حيز ممكن للقطاع الخاص للمساهمة في التنمية المستدامة في قطاع الأعمال.
وقد وجهت الحكومة أن تعمل على إطلاق مشروع المناطق الاقتصادية والميناء الجديد وفقاً لمدد زمنية محددة.
وفي هذا السياق فإن الحكومة بصدد دمج كل من شركة قطر للمشاريع المتوسطة والصغيرة، وبنك قطر للتنمية، توحيدا للجهود وضمانا لتنفيذ مشاريع الدعم الموجهة لهذا القطاع الهام.
وفي إطار العمل على تشجيع الاستثمارات الأجنبية فقد تم رفع نسبة تملك غير القطريين لأسهم الشركات المدرجة في بورصة قطر ومعاملة مواطني دول مجلس التعاون معاملة القطريين في هذا المجال.
ولقد اتخذت الحكومة خطوات أخرى جادة لتعزيز مشاركة القطاع الخاص، حيث شجعت المؤسسات الحكومية على تعهيد الخدمات والعمليات المساندة للشركات الخاصة، وجرى التعميم الذي يطالب المؤسسات الممولة من الدولة بعدم تأسيس شركات أو الدخول في أنشطة اقتصادية بدون إذن من مكتب رئيس الوزراء، إذ لا يجوز أن تنافس الدولة القطاع الخاص.
وفي السياق نفسه تم طرح شركة مسيعيد للبتروكيماويات للاكتتاب العام في إطار خطة الدولة لطرح جزء من أسهم المؤسسات الحكومية الرائدة للاكتتاب، بهدف زيادة مشاركة المواطنين في النشاط الاقتصادي وتعزيز أسواق المال في الدولة.
لقد روعي في إعداد الموازنة السنوية لعام 2014-2015 رفع كفاءة الإنفاق الحكومي مع توجيه جزء كبير من الزيادة في المصروفات إلى تنفيذ المشاريع الرئيسية في قطاعات الصحة والتعليم، والبنية التحتية، والنقل، إذ أن إجمالي الإنفاق على هذه المشاريع سيزيد عن 50% من إجمالي المصروفات في الموازنة العامة لهذا العام. وقد بلغت تقديرات إجمالي المصروفات لتلك الموازنة 218.4 مليار ريال بزيادة قدرها 3.7% عن الموازنة السابقة.
ولعل خير شاهد على نجاح سياساتنا الاقتصادية وقوة الاقتصاد القطري ومكانته، هي المؤشرات الدولية التي تُعدّ وفقاً لأسس موضوعية وأرقام واقعية، فقد حافظت قطر على تصنيف ائتماني متقدم، هو من بين الأعلى على مستوى العالم، كما حققت الدولة مراكز مرتفعة على مؤشرا ت التنافسية الدولية.
الإخوة الكرام،
نواجه حالياً انخفاضاً في أسعار النفط والمحروقات على مستوى السوق العالمي. وليس المكان هنا للبحث في أسباب ذلك، ولكنني فقط أود هنا أن أؤكد أن اقتصادنا قوي ومتين ولن يتأثر بمثل هذه التطورات، وأن ميزانيتنا مبنية على أساس تقديرات محافظة جدا لأسعار المحروقات. ولكنني مع ذلك أؤكد على أن التبذير والإسراف وسوء التعامل مع أموال الدولة، وعدم احترام الميزانية، والاعتماد على توفر المال للتغطية على الأخطاء هي سلوكيات لا بد من التخلص منها سواء أكانت أسعار النفط مرتفعة أم منخفضة.
فالعقلانية في الصرف مسألة اقتصادية من الدرجة الأولى، ولكنها ليست مسألة اقتصادية فحسب، بل مسألة حضارية متعلقة بنوع المجتمع الذي نريده ونوع الفرد الذي نُنشئُ في دولة قطر.
حضرات الإخوة أعضاء مجلس الشورى،
على صعيد علاقاتنا الخارجية يظل مجلس التعاون لدول الخليج العربية البيت الإقليمي الأول. ويأتي دعمه وتعزيز علاقاتنا بدُولِهِ الشقيقة كافة، وتعميق أواصر الأخوة بيننا، في مقدمة أولويات سياستنا الخارجية.
وفي هذا الإطار فإننا نرحب بأشقائنا قادة دول المجلس في قمتهم التي تستضيفها دولة قطر خلال الشهر القادم، آملين أن نخرج من هذه القمة بالقرارات التي تلبي وتحقق تطلعات وطموحات شعوبنا الخليجية، وتساهم في تحقيق ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
من ناحية أخرى تمر منطقتنا بمرحلة خطيرة تتلاقى فيها أزمات في العديد من دول المنطقة. وفي مقدمتها إخفاق مفاوضات السلام لحل القضية الفلسطينية، واستمرار سياسة الاحتلال والاستيطان في القدس والضفة الغربية، والحصار على غزة.
أما الأزمات الكبرى الأخرى فناجمة عن جر الحركات السلمية للشعوب في العراق وسوريا واليمن وليبيا إلى مواجهات دامية تتحمل مسؤوليتها القوى التي رفضت طريق الإصلاح والانتقال السلمي التدريجي وواجهت الشعوبَ بالسلاح، فضلاً عن تنامي مخاطر الإرهاب والتطرف الذي يهدد بعواقب وخيمة.
سبق أن قلت إن علاج الإرهاب والتطرف لا يمكن أن يكون بالقصف من الجو، يصح هذا من الناحية العسكرية، وكذلك من الناحيتين السياسية والاجتماعية، فلا بد من التخلص من الأسباب التي ساهمت في تشكيل بيئات اجتماعية حاضنة للتطرف، ومن أهمها العنف غير المسبوق الذي مارسه النظام السوري، وتمارسه بعض الميليشيات في العراق، وأية سياسة لمكافحة الإرهاب في سورية والعراق لا تأخذ ذلك بعين الاعتبار هي سياسة إدارة أزمات بدون استراتيجية.
ويهمني أن أضيف هنا، أن موقفنا من الإرهاب والتطرف الديني الذي يسيء للدين والمجتمع هو موقف الرفض القاطع والواضح بغض النظر عن تحليل أسباب نشوئه والتعامل معها.
قال تعالى: ”أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا“ صدق الله العظيم.
وإن منطلقنا في مكافحة الإرهاب وقتل النفس بغير حق، ورفض التطرّف هو أولاً وقبل كل شيء خطره الاجتماعي والحضاري على مجتمعنا وديننا وأمتنا، فلا نريد لأنفسنا ولأبنائنا أن يعيشوا في ظل مثل هذه الأفكار والممارسات.
حضرات الإخوة،
إن وحدة واستقرار اليمن الشقيق أمر بالغ الأهمية، ليس لليمن فحسب ، بل للمنطقة بأسرها، ولذا فإننا نناشد جميع القوى السياسية في اليمن تجنيب الشعب اليمني مزيدا من الانقسام والمعاناة، والعمل على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاقية السلام والشراكة، حتى تتحقق للشعب اليمني الشقيق تطلعاته المشروعة في الأمن والاستقرار.
لقد خرج شباب اليمن ضد النظام القديم في تحدٍّ واضح لأسلوب العنف المسلح، ورفضوا التعصب الطائفي والقبلي. وجسّد هؤلاء صورة مشرقة لمستقبل اليمن، كما فعل غيرهم من الشباب في ميادين المدن العربية، ورغم كلّ من حاولوا إغراق أحلام هؤلاء الشباب بالدماء ما زلنا نرى فيهم الأمل والمستقبل لأوطانهم ولأمتهم.
وفي هذا السياق نقول إن حرب الإبادة التي يشنها النظام على الشعب السوري على مرأى ومسمع من العالم قد بلغت حد إلحاق العار بالمجتمعين العربي والدولي، وخاصة القوى الكبرى. ونحن ندعو مرة أخرى إلى عدم التقاعس في بذل الجهود اللازمة لكسر الجمود الذي يحيط بالشأن السوري والعمل على إيجاد تسوية سياسية تنهي ذلك الصراع بما يحقق آمال وتطلعات الشعب السوري الشقيق الذي فاقت معاناته الإنسانية كل قدرة على التحمل.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بوصفها القضية المركزية للأمة العربية، وإذ نحيّي صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لنؤكد على دعم دولة قطر له في نضاله للحصول على حقوقه المشروعة كافة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في حدود عام 1967. كما نؤكد وقوفنا مع الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني.
وإننا نتطلع إلى تجاوز ليبيا الشقيقة محنتها، وندعو مختلف أطياف الشعب الليبي إلى التوافق ونبذ الخلافات ووقف إراقة الدماء، وتكريس الشرعية بما يحقق للشعب الليبي تطلعاته في الأمن والاستقرار.
وإذ نعبر عن بالغ القلق للتطورات الأمنية في العراق الشقيق، وما سببته من خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات وانعدام الاستقرار، فإننا ندعو إخواننا في العراق إلى تحقيق الوفاق الوطني وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الجزئية والنزعات الانتقامية لتحقيق الاستقرار والمحافظة على وحدة العراق وسيادته.
حضرات الإخوة أعضاء مجلس الشورى،
إن بناء دولة المؤسسات والقانون، لا بد له من إطار دستوري وتشريعي، يقوم ذلك البناء على أساسه. ولقد شهدت دولة قطر في السنوات الأخيرة نهضة تشريعية كبيرة لاستكمال المنظومة التشريعية اللازمة لأداء مؤسسات الدولة لمهامها بكفاءة واقتدار، ولتنظيم مختلف أوجه النشاط في الدولة.
وإنني إذ أقدر لمجلسكم الموقر دوره الكبير في هذا المجال وفي إثراء العمل التشريعي، لأرجو لكم كل التوفيق والسداد.
وفقكم الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.