إخواني أصحاب الجلالة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

إنه لمن دواعي الاعتزاز والسرور أن نلتقي اليوم في بلدنا الثاني المملكة العربية السعودية الشقيقة لمواصلة المسيرة المباركة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.

ويسرني أن أتوجه إلى أخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولحكومة المملكة العربية السعودية الشقيقة وشعبها بجزيل الشكر والامتنان على ما أحاطونا به من حسن وفادة وكرم ضيافة.

ونتمنى للمملكة العربية السعودية، الشقيقة الكبرى، الخير العميم والازدهار الدائم في ظل القيادة الرشيدة لأخي خادم الحرمين الشريفين. وإنني لعلى يقين بأن حكمتكم ستثري عمل المجلس، وبأن قيادتكم سوف تعزز مسيرة مجلسنا لتحقيق تطلعات شعوبنا وآمالها.

كما أود أن أعرب عن خالص التقدير لمعالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمناء العامين المساعدين ولكافة العاملين في الأمانة العامة على جهودهم الدؤوبة في متابعة تنفيذ قرارات الدورة السابقة والإعداد الجيد لهذه القمة.

أصحاب الجلالة والسمو،

نجتمع اليوم في ظل الظروف الدقيقة والمتغيرات المتسارعة والتحديات الجسيمة التي يواجهها العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، الأمر الذي يلقي بمزيد من المسؤوليات علينا.

وإنني على ثقة بأن مجلسنا قادر بعون الله على التعامل مع هذه التحديات بفضل تضامننا وتعاوننا المشترك في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، من أجل حماية مجتمعاتنا والحفاظ على مكتسباتنا وتحقيق تطلعات شعوبنا وترسيخ الأمن والاستقرار والازدهار في بلادنا.

ولعلكم تتفقون معي بأن ما حققته مسيرة مجلسنا من إنجازات، على الرغم من أهميتها، إلا أن تطلعات شعوبنا أكبر مما تحقق، لذلك فإننا مطالبون بمضاعفة الجهد من أجل تحقيق تلك التطلعات إذ لا تنقصنا الإمكانات ولا القدرات.

أصحاب الجلالة والسمو،

أصبح الإرهاب من أخطر التحديات التي تواجه عالمنا المعاصر وتهدد الأمن والسلم الدوليين، وقد تصاعدت وتيرته مؤخرا تحت ذرائع وشعارات زائفة، فالعمليات الإجرامية التي استهدفت بلدانا عديدة تقدم الدليل تلو الدليل على أن هذه الآفة المقيتة عابرة للحدود، وأن خطرها محدق بكل الشعوب والأقطار دون أي تمييز بين ضحاياها، بسبب اللون أو العراق أو الدين أو المذهب.

وفي هذا الصدد فإن المجتمع الدولي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بمضاعفة الجهود لمكافحة الإرهاب بكل صوره وأشكاله، والقضاء على أسبابه الحقيقية بكل ما أوتي من وسائل وإمكانيات، مع الأخذ بعين الاعتبار التمييز بين الإرهاب والحق المشروع للشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي.

الإرهاب الذي يستهدف المدنيين الآمنين مشكلة حقيقية يتوجب على الدول مواجهتها، فمسؤولية الدولة الأولى هي الحفاظ على أمن مواطنيها. ولكن، ولكي لا يحل محل شكل من أشكال الإرهاب نوع آخر أسوأ منه، علينا أن نعالج جذور الإرهاب، التي تتغذى على العنف الذي يتعرض له الناس في ظروف من اليأس وانعدام المخارج وفقدان الأمل بالإصلاح بالطرق السلمية.

إن من يتربص بالإسلام يتخذ مما تقوم به الجماعات الإرهابية ذريعة لمهاجمته وتشويه صورته وتحميل عموم المسلمين وزر أفعال لا يد لهم فيها، بل هم أول ضحاياها. وهو ما يستدعي منا التصدي لهذه المغالطات وإبراز حقيقة الإسلام وتسامحه واحترامه للآخر، وأن نثقف شباب الأمة على أنه لا يكفي أن نتفاخر بصفات ديننا هذه التي تلتقي مع الفضائل الإنسانية عموما وتتطابق مع حسن الخلق، بل يفترض أن نمارسها.

أصحاب الجلالة والسمو،

على الرغم من المساعي الحثيثة التي تبذلها دول المجلس وجهود المجتمع الدولي لإحلال السلام العادل في الشرق الأوسط وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن، ولاتزال آفاق الحل العادل مسدودة تماما، بسبب التعنت الإسرائيلي واستمرار الممارسات الإسرائيلية العدوانية التي ترمي إلى تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال التوسع في بناء المستوطنات والاعتداءات المتكررة والمنهجية على المسجد الأقصى وعلى المواطنين الفلسطينيين العزل واستمرار حصار قطاع غزة ومنع إعماره.

ليس من المقبول أن تظل القضية الفلسطينية دون حل ورهينة للسياسات الإسرائيلية العنصرية. إن استمرار تراخي المجتمع الدولي إزاء واقع الاحتلال الإسرائيلي وممارساته سيقود إلى نتائج كارثية على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره. ومن حقنا، بل من واجبنا، أن نطالب المجتمع الدولي أن يفرض على إسرائيل إنهاء احتلالها للأراضي العربية وعدم عرقلة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967م.

أصحاب الجلالة والسمو،

إن استمرار الأزمة السورية يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية وإنسانية.

لقد تجاوزت تداعيات هذه الأزمة الحدود السورية والإقليمية لتهدد الأمن والاستقرار في العالم، لذا يتعين علينا كعرب، وكجزء من المجتمع الدولي العمل على وضع حد لهذه الكارثة وحماية الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، واتخاذ كافة التدابير والإجراءات التي تحقن دماء السوريين وتخفف معاناتهم والسعي الجاد إلى تنفيذ مقررات جنيف (1) التي تلبي تطلعات الشعب السوري وآماله وتحفظ كرامة المواطنين وحقهم في ممارسة إرادتهم الحرة لتحديد مستقبل بلدهم دون قسر أو إكراه من قوة محلية أو إقليمية أو دولية.

وفي هذه المناسبة نشيد بدعوة المملكة العربية السعودية الشقيقة لأطراف المعارضة السورية السياسية والمسلحة كافة إلى الرياض للتشاور حول الوفد الذي يمثل الشعب السوري في مفاوضات فيينا.

عبر هذه الدعوة، تقدم المملكة دليلاً آخر على موقفها الداعم للشعب السوري.

وفي هذه الظروف التي يتعرض فيها الشعب السوري لجرائم التهجير والإبادة الجماعية، نهيب بأطراف المعارضة السورية أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية وأن تستغل هذه الفرصة الثمينة لتوحيد صفوفها وتنسيق خطواتها إلى ما هو أبعد من تشكيل وفد تفاوضي.

أصحاب الجلالة والسمو،

بالنسبة للشأن اليمني، نؤكد مجدداً حرصنا على استقرار اليمن ووحدته وسلامة أراضيه، كما نؤكد دعمنا للشرعية، ورفضنا لكل المحاولات لفرض سيطرة فريق على اليمن بالقوة، وإدانتنا لهذه المحاولات الفاشلة بإذن الله، وبفضل موقف الشعب اليمني وتضامن التحالف العربي.

ونحن نؤكد على ضرورة استكمال العملية السياسية وفق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني في يناير 2014 وإعلان الرياض في مايو 2015 وقرار مجلس الأمن رقم 2216.

كما أن أمن العراق واستقراره ووحدته الوطنية وسلامة أراضيه، أمور بالغة الأهمية لنا في دول مجلس التعاون ولأمتنا العربية بشكل عام، لذلك ندعو إلى دعمه ومساندته في حربه على الإرهاب الذي بات يهدد أمنه واستقراره وكيانه. ونؤكد أن الانتصار على الإرهاب، وتكريس الاستقرار بعد الانتصار عليه، رهن بتجاوز الطائفية السياسية والحالة الميليشياوية، وإرساء أسس الدولة الوطنية القائمة على المواطنة المتساوية للعراقيين جميعا بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والدينية والقومية.

وفي الشأن الليبي فإننا نتطلع إلى أن يتمكن الأشقاء في ليبيا من تجاوز الصعوبات الراهنة وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة والمضي في عملية سياسية تحقق الوحدة والاستقرار واستتباب الأمن للشعب الليبي الشقيق. فلا حل سوى الحل السياسي في ليبيا.

أصحاب الجلالة والسمو،

إن وحدة دول المجلس وتكاملها، وتعزيز التشاور والتعاون بين قادتها هي شروط لا غنى عنها لتعزيز أمن واستقرار المنطقة، وكذلك لتحقيق النمو الاقتصادي والتعاون في المجالات كافة. وهذا موضع إجماع شعوبنا ومجتمعاتنا.

وختاما أدعو الله عز وجل أن يكلل جهودنا بالتوفيق لما فيه الخير لشعوبنا ودولنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.